ميكيافيلي، أرجوك أنقذنا يا رجل!

ميكيافيلي، أرجوك أنقذنا يا رجل!

نيكولا ميكافيلي ، ذلك الرجل الذي لم تعرف له الفلسفة السياسية مثيلاً. يُعد استثناء في تاريخ الفكر عموماً. لكن عموماً في الفكر السياسي الغربي اليوم، يُعتبر الرجل مُتجاوزاً إلى حد ما. ربما قد يرجع الأمر إلى تطور الأفكار والأنظمة السياسية، إضافة لظهور مفاهيم وأفكار متقدمة مقارنة بأفكار ميكافيلي. لكن، في مجال الثقافة والفكر، وربما في جميع المجالات الأخرى، لا بد من المرور بالعديد من المراحل لكي تصل إلى الماحل المتقدمة في الشيء نفسه. لكن هل ينطبق الأمر على ما يسمى بـ “العالم العربي الإسلامي”؟

لقد كتب ميكافيلي العديد من الكتب، في مختلف المجالات. لكن اقترن اسمه بكتاب وحيد وهو كتاب “الأمير”. وقد عاش الرجل في فترة ساد فيها التوتر والانقسام، لذلك فكر في وضع أسسٍ نظريةٍ لأجل توحيد مدن إيطاليا، وتأسيس قوة عسكرية واقتصادية تُمكن من لم شتات الدولة. ومن بين الأمور المحمودة حول ميكافيلي، هو أنه اتجه نحو السياسية لمحاولة تدبير ما هو كائن، عكس آخرين قبله، أفلاطون مثلا، الذين تحدثوا حول ما ينبغي أن يكون. وهنا يقول الأستاذ علي المحمداوي بأن ميكافيلي يصف العامة، أي الشعب، بالشرهين النفعيين، والساخطين دوماً، الجاحدين المتقلبين، والخائفين الجبناء. والأمر الوحيد الكفيل بردعهم والتحكم فيهم هو الخوف من العقاب. وهنا يقترح ميكافيلي شخص الأمير ليقدم للأمة هذه الخِدمة الجليلة.

يحدد ميكافيلي للسياسة بعض القوانين التي تتحكم فيها، وهي أربعة. أولًا، قانون البقاء. وهو قانون يشترك فيه الأفراد والدولة. لكن فيما يتعلق ببقاء الدولة فإن الأمر يتحول لشيء شبه مقدس، وذلك اعتباراً أنه قد تزول حياة العديد من الأفراد بِزوال الدولة. ثانيًا، قانون المنافسة. بما أن جميع الأفراد والدول تنشُد البقاء والاستمرار، فإنها تتنافس فيما بينها لأجل تحقيق المبدأ الأول. لذلك فإنه على الدول أن تلجأ لمبدأين أساسييْن آخريْن وهما: القوة، وهي التمتع بجيش كبير وأسلحة قوية. والمبدأ الثاني، اللجوء إلى الحيل والمكر والخداع. يعترف ميكافيلي بأن هذه الصفات مذمومة في المجال الشخصي، لكنها مطلوبة جداً فيما يتعلق بحالات الحرب، أو أثناء إبرام المعاهدات والاتفاقات.

هذا كله فيما يتعلق بالدولة، أما في ما يتعلق بشخص الأمير في ذاته، فإن ميكافيلي قدمهُ انطلاقًا من العديد من الخصائص الذي يجب أن تتوفر فيه. ومنها:

  1. ألا يهتم إن تم وصفه بالبخيل، بل عليه أن يُنفق بالقدر الذي يمكنه من اعتلاء سدة الحكم، ثم ينتهي من الإنفاق بعد ذلك.
  2. ألا يهتم لاتهامه بالقسوة. فمادام الأمر يؤدي إلى توحيد المدن، وجمع الصفوف، والحفاظ على ولاء الجميع، فلا بأس بالأمر.
  3. ليس من واجب الأمير أن يحفظ العهود الذي أطلقها.
  4. على الأمير أن يكون قويًا وماكرًا في نفس الوقت. يقاتل بقوة وذكاء، وأن يخرق القانون متى اضطر إلى ذلك.
  5. رغم كل ذلك على الأمير أن يتجنب كراهية الرعية له.
  6. على الأمير أن يسعى للأمور التي تُكسبه شهرة بين الرعية. ومثل ذلك أن يقوم بمغامرة أو ما إلى ذلك.
  7. ألا يكون محايدًا، وعليه دائمًا أن ينحاز لجهة ما على حساب الأخرى.
  8. أن يُظهر نفسه مُحبًا لمن يمتلكون الكفاءة، وأن يميل لمن يحوزون الاستحقاق.
  9. أن يقوم بصرف الشعب إلى الاحتفالات بالمناسبات والأعياد.
  10. أن بدو ميَّالًا لأخذ النصائح والعمل بها. على أن تكون النصيحة من طلبه ولا يترك فرصة لمن تسول له نفسه إسداء النصيحة بدون طلب.
  11. على الأمير أن يحيط نفسه بحاشية يثق فيها، وعليها أن تتميز بالصدق والإخلاص.

من هذا العرض المقتضب لأفكار ميكافيلي قد نخرج بالعديد من الخلاصات، من أهمها أن مجال السياسة ليس مجالًا للأخلاق. بل على العكس من ذلك، فالسياسة قائمة على مبدأ المصلحة، وأينما وُجدت المصلحة يجب أن توجد الدولة. وأن المكر والخداع والقوة والمظاهر العامة، هي مجموعة من الوسائل التي يُمكن استغلالها لأجل السيطرة على الشعوب.

لكن، عودة على عنوان ومقدمة هذه التدوينة، أرى بأن فِكر ميكافيلي السياسي قابل للتطبيق في المجال العربي المعاصر. على أعتبار أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعيش أزمات سياسية (إن لم أقل انعدام السياسة) ربما إن وُجد أميرٌ ميكافيلي يتجرأ على تطبيق قواعد الرجل، فإنه سيجنبنا عديد الويلات من انقسام وتفرقة. لكن مجدداً، ميكافيلي فكر في وقته، تحت ظروفه الممكنة، ولا يمكن أبداً إسقاط تجربة شعب على شعب آخر. هنا يبدأ دور المثقف أو الفيلسوف ليقوم بإيجاد أرضية للعمل، على اشتراط أن تلتزم هذه الأرضية الاستفادة من تجارب الآخرين، وتُراعي للظروف الخاصة والمعاصرة.

تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *